كنت أهوي من قمة جبل..
فتحت عيني لقد كان كابوسا!
اه كم تطاردني المصائب والأوهام؛ لم يعد لي وقت للراحة والاسترخاء، والعيش كما الناس..
نهضت من فراشي لأجهز نفسي لمقابلة الوظيفية التي أعلم يقينًا أن رسالة الرفض لن تصلني بل ستقال قبل السلام، من سيوظف لديه خريجة سجن!
خرجت من المنزل لأرى نظرة الخوف والتمتع بسطحية المظاهر السارية في كل مكان، وما إن وصلت حتى وجدت الشرطة سبقتني كنت أتخيل في الأمس أنها تقبض عليّ، واليوم فعلًا أنا مجرمة ما دمت أتنفس، كُتِبَ عليّ التعايش في مكان ليس لي، حتى عشت مثل من فيه، أنقاد خلفهم كمتهم يعرف جرمه؛ أرضخ لعقوبة كمذنب، دون دفاع عن نفسي، وهكذا عدت لزنزانتي التي كنت فيها قبل خمس سنوات، قضيت سن الزهور بها حتى خرجت غابة قاحلة لا يقترب منها أحد، ما هي إلا ثوانٍ وذهبت لغرفة التحقيق حيث لا أحد يصدقني.
فتح المحقق الملف وهو يمعن النظر بي: متى آخر مرة رأيت فيها أختك،
أي أخت تعني! فلا أعرف أحد من عائلتي منذ خروجي من السجن، خمس سنوات لم يفتح أحد الباب لي، ولم ينظر أحد لوجهي، حتى حالي…. قاطعني؛ ليس وقت للبكاء، سؤالي واضح حسنا اشرحي لي سبب وجود رضاعات وغيارات في منزلك؟
-قلت بدهشة؛ أي رضاعات!
أغلق الملف بغضب: لا تزالين تتهربين من الاعتراف! وجدنا في منزلك أدوات لأطفال وسكين مغطاة بدم وهي سلاح الجريمة، خروجك بالبراءة سابقاً لا يبعد أصابع الاتهامات عنك، لا سيما أن علاقتك بها سيئة، عموما ننتظر ردك لمتابعة التحري.
قادوني لزنزانة أو مكاني، لست أدري لماذا أشعر بالانتماء!
أكاد أجزم بأن نهايتي ستأتي قبل صدور الحكم..
والنوم خير ما يفعله شخص لا قيمة ولا وزن لتبريره مثلي.
استيقظت في اليوم التالي على صوت صراخ؛ لديك زائر،
ظننته خيال فمن سيزورني!
لا عائلة تعترف بي ولا أصدقاء يذكرونني..
لكن نور ذكرتني! (صديقة الطفولة)
حضنتني وذابت ضلوعي التي تحجرت من قسوة الأيام ١٣ سنة لم أشعر بها بدفء كما الآن..
قالت نور؛ اشتقت لك، عدت من رحلة الدراسة وقالو لي أنك خرجت من خمس سنوات! تفاجأت جدًا حتى أن منزل عائل… صرخت بانزعاج توقف أرجوك لا أريد سماع أي شيء عنهم،
قالت نور: لم لا تستعيني بمحامٍ أو محقق أفضل من الموجود هنا؟
قلت وعيناي تفيض من الدمع؛ أخيرًا أحد يريد مساعدة فتاة كل الأدلة ضدها وفوق ذلك لا مال ولا جمال يمكنني..
ضربت كتفي بلطف وقالت؛ لأنني أملك طرف أدلة لكن أنتظر شيء قاطع لنجزم وينال المجرم الحقيقي حقه، كان جسدي يقشعر حينما أسمع عن المجرم الحقيقي! أخشى أن أكون أنا المجرم -عادت بي الذاكرة إلى ٢٠٠٩ حينما كان عمري ١٩ سنة يوم زفاف أختي الدموي..
كان زوجها في غرفتي ينتظرني ليعطيني رسائل الحب التي كانت بيننا قبل ارتباطه بأختي، لكني كنت أتحاشى رؤيته كي لا تكشف حسرتي، لكن حسرتي كشفت حينما دخلت أمي لغرفة ووجدته مغرقاً بالدماء وكل المتهمين أنا.. كنت كشجرة متصلبة، فوقها أشعة شمس حارقة أظنها الصدمة، أصب عرقاً وأضم فمي ذعرا، كل البصمات في مسرح الجريمة بصماتي، وكل الأدلة تثبت جرمي، كنت مجرمة دون نية.
لا تزال ضربة أختي ندبة في صدري وكتفي، لا يزال صوت أمي يرن في أذني (أنتِ نكرة لست ابنتي)
كان الصمت رد يثبت رضاي-
صرخت نور؛ أين ذهبتي!
قلت وعيناي تغرق من الدموع؛ أترين أني فعلا مريضة نفسية كما شخصت وأني اقترف جرائم بنوبة جنون؟
مسحت دموعي نور وقالت: مستحيل وإن كنت تفكرين بما حدث سابقا، فالأخصائي النفسي الذي شخصك موقوف لانه غير مرخص، ثم إنك بريئة وقصة قديمة..
قلت: لكن لماذا قبضوا علي إذن! الأدلة في منزلي وكل شيء مجددا يثبت جرمي كيف لا أذكر؟
صرخت نور بغضب وهي تمسك كتفي؛ لا تكوني مغفلة ليس هناك مجرم يترك أدلة واضحة ومكشوفة أمام العلن، أنتِ لست مجرمة، هناك من يستغل موقفك ومشاكلك مع أختك ليبرر كل ما يفعله ويهرب..
قلت بغضب؛ من من من؟! ٨ سنوات في السجن لماذا لم يفعل شيئاً! لماذا حين خرجت عاد بجريمة سرقة وبعدها الآن بقتل طفل أختي الأول!
قالت نور: لأنه مجرم حقيقي لكن مهلا ما قصة السرقة!
قلت بضجر: سرق ذهب أختي لكن خلصت من القصة لاني كنت منومة في المستشفى آنذاك..
تنهدت نور؛ وعدت للزنزانة بعد انقضاء وقت الزيارة..
في تلك الأثناء كان المحقق مع أختي يسألها عن الحادثة، وكان يبدو عليها عدم الاكتراث بشكل يثير الريبة، سألها عن علاقتها بي وسرعان ما صرخت بغضب؛ إنها نكرة لم تكتفِ بأخذ كل ما أملك من ملابس وحاجيات حينما كنا صغار بل كانت تحصل على كل شي بسهولة.
قال المحقق وهو يحرك قلمه بين أصابعه: ماذا تقصدين بكل شيء؟
قالت وهي ترجف من شدة الغيظ؛ كانت الأولى على الصف ودخلت التخصص الذي أحلم به بينما أنا عدت السنة ثلاث مرات ولم تتيسر لي الجامعة..
أجاب؛ لكنها بأول سنة لها في الجامعة سجنت، وأنت كنت وقتها تكملين دراستك.
قالت بضجر: نالت حقها فهي من قتل زوجي حتى وإن ظهرت براءتها هي خلف الجريمة والدليل أنها كانت بعلاقة معها ولم تحتمل رؤيته معي
كان يراود المحقق اتهامات حيالها، كلامها كله يؤدي إلى شيء واحد..
قالت وهي تنظر إلى الساعة؛ هل لديك أسئلة أخرى؟
قال وهو يمعن النظر في عينيها؛ أفهم من كلامك أن أختك سيئة منذ الطفولة؟
لم تتردد بالإجابة؛ لا، نعم هي سيئة فقط معي لهذا لن تجد من يقول نفس كلامي، الجميع مخدوع بلطفها وسذاجتها لكنها مجرمة مجرمة.
ابتسم المحقق وكأنه توصل لشيء؛ نعم مجرمة ساذجة تترك الأدلة خلفها وكأنها تريد العقاب طوعا، كانت نبرة السخرية واضحة من صوتها؛ نعم ساذجة تسبقني في كل شيء ثم تتمنى حياة سعيدة لهذا تستحق ما تلقاه من جزاء، ووقفت.
قال المحقق: مهلا لم ننتهِ بعد
مسكت يد الباب؛ لدي موعد أظافر الآن- رفعت يدها لترتب أظافرها، كان السبابة والإبهام منزوع منها الأظافر الاصطناعية، والوسطى مكسور - إن احتجت معلومات أكثر تواصل معي، لكن لا داعي؛ باشر الحكم وأغلق الملف، وخرجت..
تنهد المحقق وهو يسند ظهره؛ أظافر وابنها مختفٍ لا نعلم أحي أميت!
وقف وكأنه تذكر شيئاً..
اتصل بالشرطة وطلب منهم مراقبتها
ذهب إلى منزلي كان متيقنا أنه سيجد ذات الأظافر المنزوعة هنا وفعلا وجدها بقرب الباب وكانت ملطخة بالدماء التي تبين أنها مزيفة..
اتجه فورًا لمنزل أختي وهو في الطريق رن هاتفه -كان أحد رجال الشرطة- لن تصدق بعد ما خرجت من مركز التجميل كانت عذرة لكي لا يراها أحد ودخلت منزل امراة عجوز بحي شعبي ومن نافذة كان معها طفل يشبه ابنها المفقود
طلب منه المحقق أن يستمر بالمراقبة
ما أن وصل المحقق لمنزل أختي قابل نور أمام المنزل
كانت واقفة حاملة معها كرتوناً ورقيا
اقترب منها المحقق
قالت وهي ترتجف من الخوف؛ هذه أشياء ليست لي بل وجدتها وكنت سأتوجه إليك، إنه الدليل القاطع.
كان في الكرتون قصاصات ورق وعلبة دم حيواني وقفازات وصندوق ذهب ذات الذي قيل إنه سرق..
قال المحقق على عجل وهو يركب سيارة؛ تعال معي.
كان مسرعا جدا، وكانت نور تعض على شفتيها من شدة الرهبة..
وصل إلى منزل السيدة العجوز
ظهر على نور القلق والتوتر؛ ما هذا الحي أين نحن؟
طلب منها أن تطرق الباب، وكانت تمشي بخطوات متذبذبة طرقت الباب وفتحته أختي وهي حاملة طفلها من الصدمة وقع من يدها ك..
صرخت بأعلى صوت؛ ما الذي جاء بك كيف عرفت أني هنا؟
اقترب المحقق وخلفه رجال الشرطة؛ لا مجال للتبرير، ظهر الحق
كان يبكي طفلها فأتت العجوز لتحمله وتضع المصاصة في فمه
جلست أختي على الارض وهمت بالبكاء،
ضربت كتفها نور بغضب؛ كيف تفعلين هذا بأختك الوحيدة،
صرخت بغضب؛ هي السبب هي من سرقت كل أحلامي بسهولة
ردت نور؛ لهذا قررت سرقة حياتها وأخذ حبيبها وتزوجته لكن لماذا تقتلينه؟
ردت وهي تبكي بحسرة: لانه يحبها بجنون رغم كل ما فعلته لتشويهها في نظره، كان سيعتذر منها ويعوذ إليها لولا أن قدمت موعد الزفاف، قتلته لانني لا أريده بل أريد حرقتها، نعم أريد القهر يصب منها، صرخت نور بغضب؛ كل هذه غيرة!!
كانت على وشك أن تهجم على نور لولا تدخل رجل الشرطة ومسكها؛ كنت ستكونين في سلسلة لولا مغادرتك البلاد للدراسة، تنهدت نور؛ أنتِ الضحية حينما قررتي تدمير حياتي، انظري حولك حياتك مدمرة أكثر، لا راحة بال ولا رضا ولا قناعة، حتى حينما تزوجتي وجاء أول مولود فرقتي بنفسك أسرتك، حرمتي طفلك من حنانك!
أخذها رجال الشرطة وانقادت لذات الزنزانة الانفرادية التي كنت فيها..
لا أعلم ما الحكم الذي قضي عليها، ولا يهمني ما دمت شيئاً يعرقل صفو حياتها، شيئاً دمرته بكل ما فيها من خبث..
ثمة ذكريات تتردد على مخيلتي، طفولتنا، وطيش المراهقة، ضحكاتنا، وكل شعور جميل أشك بصدقه اليوم،
لم تنتهِ قصتي عند خروجي باسم الضحية، بل الآن بدأت بكيان جديد.
ندى إبراهيم
Comentarios