top of page
شعار مداد.png

وبس!

معد قهوة في أحد مقاهي حي الصحافة "باريستا" كما يحب أن يخبر النساء الذين ينجذب لهم وهم كثر، كان يعمل بدوام يختلف بين الحين والآخر يعمل من صبح يومه حتى "العصرية" تارة ومن بعد المغرب حتى تدق ساعة الصفر تارة، على أية حال اعتاد فهد بعد نهاية دوامه أن يأخذ بعض "المشاوير" حول المدينة يوصل بها الركاب الذين يطلبون حضوره عن طريق جهاز سحري يملكونه.


مرت السنين على فهد يعمل ثلاث أرباع يومه محاولًا أن يدخل الجامعة التي لطالما أراد الالتحاق بها، حتى يتخصص في اللغات، كونه يحب اللغة الإنجليزية منذ صغره، حتى أنه اعتاد ألا ينهي يومه إلا بمشاهدة فيلمٍ او اثنين.


وفي أحد الأيام سلّم فهد مفتاح المحل وأخبر "كابر" معد القهوة الآخر أن يستلم العمل عنه مبكرًا، كونه مل هذا اليوم الطويل، ركب خالد سيارته وسرعان ما اهتز جهازه السحري معلنًا عن غريب يريد أن يبلغ غاية شق عليه أن يمشي لها، كان الطلب لشخص جالس في ذات المقهى الذي يعمل فيه فهد، وسرعان ما رأى وجهًا مألوفًا يغطي السواد كل جوانبه، كانت زبونة اعتاد فهد أن يخدمها بكوب قهوة يوميًا، استغرب خالد وشك في كونها قصدت أن تذهب معه، أم أن الأمر محض صدفة غريبة.


رحّب بها خالد بعد أن استقلت راحلته ورحّبت قائلة "أهلًا فهد كيفك؟" رد عليها ودار بينهما حديث ودي حتى انتصف الطريق وعم الصمت المحرج الذي أرغم خالد أن يتحدث عن حرارة الجو…


أوصلها لمنزلها في جزيرة في أحد أحياء الدرعية والجزيرة المقصودة هنا هي الحي المنطوي على ذاته أي ليس له إلا مدخل واحد، مضى فهد في أيامه باعتياد وأصبح توصيل "أروى" عادة شبه يومية تتخللها أحاديث عابرة بينهما، واعتاد فهد من أروى ان توقفه بعيدًا عن منزلها ولم يكلف نفسه بالسؤال، ظنًا منه أنها لا تريد أن تُرى من قبل أهلها، وفي أحد الأيام وأثناء توصيله لأروى قطع حديثهما اتصال لأروى طال بها حتى اقتربت من نزلها ولم يستطع فهد معرفة فحواه من فتات الحديث الصادر من أروى.


قبيل وصولهما أغلقت أروى الهاتف و"تنحنحت" مستدعية الكلمات لتنطق بها فأحس بها فهد واستعد ليرد، "وقفني عند الباب لو سمحت" استغرب فهد بشدة لكنه لم يُرِد أن يتطفل، وافق بصمت وأكمل طريقه لمنزلها في آخر الجزيرة، "وصلنا والحساب علي هذه المرة" رفضت أروى بشدة بحجة أنها تريد خدمة منه ولشدة اضطراب صوتها قبل فهد بلا تردد.


شرحت أروى كذبتها لأبيها وأنها كانت تقول أنها تأتي للمنزل يوميًا برفقة صديقتها محرم مع أخيها وعندما أصر والد أروى أن يرى من يوصلها قالت لأبيها أنها اضطرت أن تأتي وحيدة مع فهد لمرض صديقتها، قبل فهد أن يساير أروى في كذبتها حتى لا تصبح ضحية بسببه.

"من أنت ولده" سأل أبو أروى دون حتى أن يسلم وأكمل الأب تحقيقه وكان الآخر سريع بديهة يجيب بثقة على سيل الأسئلة، بعد دقيقتين أو أكثر كانت الساعة تشير إلى ٥:٥٧ فأصر أبو أروى على فهد أن يدخل حتى تنتهي الصلاة،

قبل فهد على مضض دعوة الكهل المريب ودخل منزله، وإذا ببرودة تسري بكامل جسمه، كان بيتهم مريبًا عاليًا فوق علو الدرعية، كان منزلًا بلا ملامح تشعر بأنه هجر من سنين. ألعاب الأطفال مترامية على أطراف "الحوش" تجمع الغبار كأنها فقدت براءتها من سنين مضت، دخل لغرفة خارجية خصصت للضيوف لم تختلف كثيرًا عن بقية المنزل بريبتها وجلس أبو أروى في صدر الغرفة، صلينا المغرب جماعةً ولم ينطق بأي موضوع ذي أهمية طوال فترة جلوسي، شربت قهوتهم وعدت لمنزلي.. وبس.


سعود الداود



١٢٩ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

Comments


bottom of page