لم تكن مظلتُها ترقد بسلام في ظلِّ تلك العاصفة التي تهجو مدينتها الصغيرة، فصوت دويّ الرياح يكاد يُحطم أبواب منازل المدينة وجدرانها، هرعت إيلا مسرعةً إلى خارج منزلها الصغير، غيرَ آبهةٍ بشدة العاصفة ولا بالساعة المتأخرة من الليل.. مشت بخطواتٍ سريعة، قاصدةً غرفةً صغيرةً قديمة، تقبع مقابل منزلها بأمتار معدودة..
وصلت إيلا للغرفة، فما وجدت غير سقفٍ متهاوٍ، وأشلاءِ كرسيٍ واسطوانةِ موسيقا متهالكة، ومقبضِ باب مفقود. شعرت إيلا بحزنٍ شديد، فلم تكن هذه الغرفة الباليَة كأي غرفة عادية، كانت تعني الكثير لإيلا، لها فقط! فلم يكن يعلم سر هذه الغرفة أحدًا غيرها.
جلست إيلا في هذه الغرفة بُرهة، آملةً أن تخرج منها والسعد يملأ قلبها، ولكن ما خرجت منها إلا كما دخلتها، ضائقةٌ ومحبطة. عادت إيلا لمنزلها لترقد بضع ساعاتٍ قبل أن تعود للعمل في دكان العمّ آدم في الصباح الباكر.
في صبيحة اليوم التالي قامت إيلا والضيق ينهش قلبها وكأن غيمةً سوداء تجثو على روحِها. قررت إيلا الذهاب إلى الدكان على كل حال، فلن تجعل هذه المشاعر السوداوية تسيطر عليها، فلطالما كانت إيلا أقوى من أي شعور.
ذهبت إيلا إلى الدكان، ولم تلقِ التحية بوجهٍ متهلّلٍ على العم آدم كما اعتادت أن تفعل كل يوم، وظلّت صامتةً متجهِّمةً غارقةً في التفكير، وهزمتها مشاعرها لأول مرة.
ضاق صدرُ العم آدم على حالها، فهذه أول مرةٍ يرى صغيرته إيلا بهذا الأسى.
قطع العم آدم حبل أفكارها قائلًا: إيلا، ما بك يا صغيرتي؟ لا تبدين على ما يرام اليوم! أخبريني فقد أستطيع مساعدتك.
فكرت إيلا مليًا قبل أن تخبر العم آدم بسرّها الصغير، فهي لم تخبر أحدًا عن هذه الغرفة قط! ولكن قررت أن تخبره على أيّة حال، فقد كان هذا خيارها الوحيد.
قالت له بنبرةٍ مكسورة: قد تعتقد أن هذا سخيفًا بعض الشيء، ولكن سأخبرك بشرط أن تعدني أنك لن تخبر أحدًا مُطلقًا!
رد عليها بحماسة: بالطبع! يمكنك أن تثقي فيّ!
ردت عليه إيلا: يعتقد الآخرون دائمًا أن حياتي مثالية، خالية من المنغصات، لا يشوبها الحزن والضيق مطلقًا. ولكن في الحقيقة، هي ليست كذلك، لطالما مسني الضيق واليأس والكمد، ولكن لدي ملجأٌ صغير، آمن، ألجأ له كل يوم فتزول جميع مشاعري السيئة وتتبدل بمشاعر أخرى رائعة، في الواقع، أستطيع اختيار أي شعور أريده من خلال هذا المكان! ولكن البارحة، حطّمت العاصفة أركان ملجأي الصغير، فلم أعد قادرةً على تغيير مشاعري مرةً أخرى..
ضحك العم آدم ضحكةً ساخرة وقال: ما الذي تهذين بهِ يا إيلا! هذه ليست إلا محض خرافات، فكيف لكيانٍ جامد أن يقوم بتغيير مشاعرك والتحكم فيها؟
ردت إيلا بنبرة حادّة: هذه ليست خرافات! أنا أؤمن بأن هذه الغرفة قادرةٌ على تغيير مشاعري! فلطالما فعلَت ذلك..
رد العم آدم: إذا كنتِ مصرّةً على ذلك، فخذيني إلى هذه الغرفة فقد أتمكّن من إصلاحها؛ فلطالما كنتُ نجارًا.
أخذت إيلا العم آدم إلى غرفتها الصغيرة، قام بإعادة بناء الكرسيّ، وتركيب الاسطوانة الموسيقيّة، وترميم سقف الغرفة، وإعادة مقبض الباب إلى حيث مكانه.
قعدت إيلا على كرسيّها، وأدارت أسطوانة الموسيقا، أغلقت عيناها وبدأت بالتفكير بالذكريات السعيدة التي مرّت بها، بالأيام الجميلة، بالأشخاص الذين تحبّهم، وبالعم آدم!
تبدّلت مشاعر إيلا بطريقةٍ لم يتصوّرها العمُّ آدم، انبسَط وجهها المتجهّم، وتغيّر لونها الشاحب، وانقشعت الغيمة السوداء التي تجثو على روحها! في هذه اللحظة علِم العم آدم أن هذه الغرفة السريّة، لم تكن مجرّد كيانٍ جامد، بل أيقن أن أركان هذه الغرفة، وسقفَها وكرسيَّها، جميعهم يحملون المشاعر الحُلوة التي تبعثها إيلا فيهم كل يوم!
ومنذ ذلك اليوم صار العمُّ آدم يقصدُ هذه الغرفة، كلما ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأطلق عليها اسم "غُرفة تغييرِ المشاعر".
ليان محمد
Comments