top of page
شعار مداد.png

كيف تنتحر الأرواح؟

استيقظت في مكان أجهله، أسمع أصواتا متعددة ولكن لا أميز أحدها.. يتملكني الرعب، أتأمل المكان حولي لعلي أعلم أين أنا ولكن لا شيء.. سرت متبعة تلك الأصوات لعلها تدلني عمن يعرف علتي.. كان مصدر الأصوات صالة المعيشة.

يوجد أناس كثر لا أظنهم فقط العائلة التي تسكن المنزل، كانوا يتحدثون ويضحكون بصوتٍ عالي مما صعّب علي مقاطعتهم، وقفت لعل أحدهم يلحظني فيبادر بمناداتي.. ولكن الجميع غارق بالضحك، لم يتمكن أحد من رؤيتي.. تشجعت وقلت بصوت منخفض يملؤه الخوف والتردد "أهلًا".. لا يوجد مجيب.. أعدتها بصوتًا أعلى.. لا مجيب.

سألت أقرب شخص لي "لماذا لا أحد يجيبني؟" ومن السخافة سؤال من كان يتجنبني.. شعرت بأنني ضمن مقلب أو لعبة سخيفة واستفزني ذلك الأمر صرخت بصوت عال "لا أعلم لماذا تتجنبونني جميعًا ولكن عليكم التوقف الآن فأنا غاضبة جدًا" لم يتوقف أحد..

مر من أمامي رجل لحقت به، توقف أمام المرآة ليرتب ما أفسده ذلك الضحك... وقفت خلفه مطأطأة رأسي وعزمت على السؤال بصوت مهذب "لا أعلم لما تتجنبوني جميعًا ولكن أرجوك يا سيدي هلم لمساعدتي" لم يجبني رفعت رأسي لأرى لماذا لم يجبني، صعقت لا يوجد سوى الرجل..

أين انعكاسي؟ لماذا لا أظهر على المرآة؟

أصرخ، ألكم المرآة، لا تتكسر، لا أتألم، لا يمكنني لمس المرآة..

أسأل نفسي "لماذا يحدث ذلك؟ من أنا؟" استمر الأمر لشهر، أصرخ، ألكم المرآة، أبكي..

بدأت أتعرف على العائلة التي تسكن المنزل مكونة من أب وأم وفتى في عمر المراهقة وطفلة لم تتجاوز الست سنوات وفتاتان لا تسكنان معهم ولكنني عرفتهما من خلال الصور العائلية.

حفظت روتينهم اليومي الأم تستيقظ باكرًا تعد الإفطار لأطفالها توقظهم يذهبون للمدرسة ومن ثم تستسلم للبكاء لمدة لا تقل عن النصف ساعة...

الابن يبكي في منتصف الليل بعد ما ينام الجميع، الأب يبكي مختبئًا داخل سيارته قبل أن يدخل المنزل.. كان ذلك مريبا، جميعهم يبكون لوحدهم هاربين من أنظار الآخرين وأجهل السبب.. كانوا يصطنعون السعادة أمام الآخرين وأمام بعضهم.. يحرصون على عمل الاجتماعات العائلية بشكل دوري لكي يستمر ذلك الاصطناع.. غرابتهم جعلتني أغرق بهم متناسية نفسي..

مضت ثلاثة أشهر بإمكاني القول أني أدركت الجميع وأصبحت أعلم كل زاوية بالمنزل ما عدا غرفة واحدة مقفلة دائمًا ظننته بأنه مستودع مهمل أو شيء غير مهم.. ولكن بدأت تساؤلاتي عندما نادت الطفلة أحدًا بالغرفة اسمها منى، أجابتها أمها بصوت يملؤه الحزن بأن منى لم تعد هنا، وتسللت من عيني الأم دمعة مسحتها بسرعة قبل أن تشاهدها طفلتها.. من هي منى؟ ولماذا هي غير موجودة؟

عندما عاد الأب تحدثت الأم معه وأخبرته برغبتها بفتح غرفة منى والتبرع بجميع أغراضها.. قال زوجها بصوت خانق "ولكنكِ تعلمين بأن لا أحد سيقبل تبرعاتنا بأغراضها فأثمها يمنعهم من قبولها" أجابته الأم "أعلم ذلك مسبقًا ولا حاجة لتكرار ذلك كل مرة.. سنبحث عن جمعية خارج البلدة نتبرع لديها" لم يقل شيئًا الأب وكان صمته علامة القبول..

أي ذنب فعلته تلك الفتاة؟ أهربت مع حبيبها أم غادرت لوحدها.. ما الإثم الشنيع الذي فعلته؟

تحدثت مع ابنها وأخبرته ما تنوي على فعله بدا منزعجا جدًا وغاضبا.. ذهب الجميع لينام ولم ينم فعلًا أحد.. الجميع منتظر حتى أنا..

أشرقت الشمس، أفطر الجميع سوية، وكان الصمت سيد المكان.. ذهبوا جميعًا للغرفة وتوقفوا أمام الباب علامات التردد ظاهرة عليهم.. من يجرؤ على فتح الباب؟

قال الابن بصوت غاضب "أليس هذا ما تريدانه!!" فتح الباب دخلوا جميعهم الغرفة.. وبقيت واقفة أمام الباب أتأملهم.

تتماسك الأم بصعوبة تمنع دموعها من الخروج.. ترى ملاءة السرير تغرق بالبكاء.. تتمتم بكلمات عتاب وشوق.. لم أتمكن من رؤية الملاءة بشكل واضح حتى أخذ الأب الأم خارج الغرفة لتهدأ.

صعقت، الملاءة مليئة بالدماء.. ما الذي حدث؟ أقتلت الفتاة هنا؟

يجلس الابن على طرف السرير وتعتريه ملامح الغضب، تحولت لعتاب فور خروج والديه تغرق بداخلة الكلمات.. يبحث عن جواب لسؤال يعلم بأنه لن يدرك إجابته أبدًا "لماذا يا منى؟ أريد أن أعلم فقط لماذا؟ أتعلمين بأنني حاولت إنقاذك في اللحظات الأخيرة ومتِ بين يدي؟ كيف لي أن أتعايش مع ذلك؟ لم تسلبي حياتك فقط خطفتِ أرواحنا معك.." ودخل بنوبة بكاء كان يدفنها منذ مدة..

آلمني حال الأبن أردت أن أطبطب عليه وأن أقف بجانبه على الرغم من كونه يجهل وجودي ولكن كان لإرضاء شعور الإنسانية بي..

أسير بخطوات بطيئة إليه لعله يتوقف عن البكاء قبل وصولي له.. لا أعلم كيف سأواسيه..

لمحت شخصا آخر في الغرفة التفت متعجبة أبحث عنه فأرى انعكاس فتاة على المرآة.. مليئة بالدماء أقترب من المرآة أكثر وهي تقترب أكثر تلك الفتاة أنا... أنا منى..

لحظات صمت لم أعي ما أرى هل أنا منى؟ أتأمل صورها المليئة بالغرفة.. نعم إنني تلك الفتاة.. لماذا انتحرت؟ ما الذي جرى؟ لماذا أقبلت على فعل هذا الجرم بحق عائلتي؟

تعود لي بعض الذكريات المشوشة أحاول أن أستخرج منها شيئًا.. اللعنة عادت بعض الذكريات، إنها ليست المرة الأولى التي أبعث فيها هنا.. اللعنة إنها المرة الخامسة.. ولم أعلم سبب انتحاري بعد، سئمت هذا الحال كيف تنتحر الأرواح؟



رهف

٢٤ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

1 Kommentar


shaaimmaa.33
20. Nov. 2020

نص جميل.

شكرًا رهف ❤️

Gefällt mir
bottom of page