أيام تتوالى، وصباحات رتيبة..
الناس نفسهم والكتب نفسها، أقرؤها آلاف المرات، لا جديد،
لطالما تمنيت قلعة خيالية، ومكتبة هائلة، أهيم فيها..
يتملكني الفضول لعيش حياة أخرى، خارجا عن هذه البلدة الصغيرة..
ذهب والدي ليشارك باختراعه في بلدة مجاورة،
لكنّ حصانه عاد يلهث، وحيدًا دون أبي! فخرجت في عجل بحثًا عنه..
إلى أن آلت بي الطُرق إلى قلعة مهجورة، وحدي في جنح ليلٍ قاتم، لمحت قبعة أبي عند المدخل، فدخلت بروية دون تردد، رغم خوفي وشكوكي، طرقت الباب المردود، ناديتُ عاليًا علّي أجده، لكن دون رد، أخذتُ على طريقي شمعةً لتضيء لي الطريق، وجدتني أصعد درجًا، بينما أنادي أبي سمعتُ صوته، رأيته في حالة مزرية، مسجون في عليّة قلعةٍ مهجورة، لم يتسنى لي الحديث مع والدي أردت أن أعرف من جعله حبيسًا هنا، لكنه كان فزعًا في وجل، أخبرني أن أذهب بعيدًا.. أردت أن أسأله لماذا فإذا بزئير يعلو خلفي، "بتعملي ايه هنا!!" "مين يتجرأ يتطفل على قلعتي!!"
كان الظلام حالكًا لم أره جيدًا إلا أنه كان ضخمًا وتتضاعف ضخامته في ظلّه.. توسلت أن يخرجه لم أطق رؤيته محبوسا في مكان كهذا..
بدا الأمر مستحيلًا، وفي وهلة قال"بشرط، تاخذي مكانه؟"
رغم هلع أبي وبين صرخاته أنه لا يريد ذلك، فقد بلغ من العمر عتيا،
إلا أنني لم أقدر على ذلك، وافقت وطلبت منه أن يأتي قرب النافذة لأرى من سأظل حبيسةً عنده طيلة عمري، ما إن لمحته حتى بلغت القلوب الحناجر، لم أقدر على التلفظ بكلمة واحدة، أخرج أبي وأرسله في عربة مسحورة لتعيده للبلدة، دون أن يتسنى لي توديعه، بقيت في مكاني هامدة في شهقات بكاءٍ عالية وذعر شديد..
رغم حجم القلعة الهائل التي سُمح لي بأن أجوب بها، إلا أنني شعرت بضيق في صدري وكأنني في زنزانة لا تسعني..
بدا الأمر غريبًا فكل ما في هذه القلعة ذو روح، يتحدث ويتحرك، وسيد القلعة ذو ملامح أشبه بالمستأذب بأنيابه البارزة، وفرو يكسو كل جسده..
لم تعد الأيام نفسها، لم تتكرر كما في السابق، في أول يوم لي أبيتُ أكل العشاء معه، وصرخ قائلًا إن لم آكل معه فسأموت جوعًا..
وفي آخر الليل تضورت جوعا فخرجت لأسكتشف القلعة، رأيت العجائب والغرائب إلى أن دخلت جناحا متهالك، كل ما فيه مدمر، إلا وردة وردية اللون محفوظة في علبة زجاجية، اقتربت لأراها عن كثب، فإذا بزئيره يعلو مرة أخرى، ارتعدت وخرجت هارعة لأهرب من هذا المكان الموحش، لكنني لم أعلم أنني هربت من خطر إلى خطر آخر، فقد حاصرتني الذئاب من كل مكان، إلى أن جاء سيد القلعة وأبعدهم جميعًا.. ما إن رحلوا حتى سقط مجثيا على الأرض، فعدت به إلى القلعة لنعقم جراحه..
وفي يوم أخذني مغمضة العينين إلى غرفة أشبه بقاعة احتفالات، من رحبها وجمالها، كان المكان مفعم بنور الشمس، مليئًا بالكتب التي تغمر الرفوف لتصل إلى سقفها.. كانت مكتبة فسيحة للحد الذي جعلني أتساءل إن كان يقدر أحد ما على قراءتها كلها..
وها أنا ذا، أحلم بحلم خلّاب لأناله ويذهب واقعٌ آخر..
أروىٰ
Comentários