top of page
شعار مداد.png

مرَّ عامٌ من التعب

مرَّ عامٌ من التعب، والوحدةِ والآمالِ المعلقة، مرَّ مُرَّا عليّ، لم يتغير شيءٌ في نظامي الغذائي بسبب كورونا. قالها بعد أن توقفَ إلى أقربِ مطعمٍ لمنزله جلس لينتظرَ دوره، ربما، ربما سيبدأُ رحلته في العام المقبل. فهو يعلم أنه لم يطبِّق شيئًا مما قيل له قط. لقد اتصل به المستشفى بداية العام، وأخبرهُ أنَّ كل العملياتِ القادمة مُؤجلة إلى حينٍ آخر، لذا فإن رغبتهُ في تغيير نفسهِ تلاشت، ثمَّ إنه لا يملكُ من أمرهِ إلَّا آخر أمل، قص المعدة. لم يكن ذلك الأمل كافيًا كما ظن، وكان ذلك المطعم قربَ داره هو الذي كان يسليه كلما غضب، لم يذهب إليه الآن، بل قدماه هي من حطت هناك دون تخطيط منه.


استندَ إلى الجدار، وأخذ يسحبُ الزمنَ إلى الأمام، كان من المفترضِ أن يفقد ست كيلوجرامات حتى اليوم، هل يتركُ الطلبَ للنادل؟


يعودُ إليه السؤال، ولكنه طرد الفكرة، وفي أثناءِ انغماسهِ جاءه الطعام، أخذه ومشى إلى المنزل.


وفي الوقتِ الذي قرر فيه الدخولَ إلى البيت، تذكر فجأةً أنه لم يستلم بعدُ شحنةً قادمة من أهلهِ في مدينةٍ أخرى، قبل خمسةِ أيام وصلت، فغيَّر وجهته نحو مقر استلامِ الشحنات، وبعد ساعتين عاد إلى البيت، حاملًا معه الصندوق الذي سيستخدمه في العام المقبل. هل سيستخدمه؟ لا يدري فالأمورُ تزداد غرابةً يومًا بعد يوم.


أدخل يده إلى الطرد، أمسك المنتجات، وألقاها فوق الأرضِ بهدوء، كأنه يعدُ نفسه بسحرٍ منتظر. لعلها تسعى!


ربما، إنه من الصعبِ أن أكونَ مستعدًا إلى تلك الدرجة؛ لقد اشتريتُ كل ما يلزمني شراؤه، تجهزتُ خلال الثلاثةِ الأشهرِ الماضية، والآن، عليَّ إيجادُ من يحتاجُ إليها، ممن حالفهم الحظ، وأنهوا عملياتهم، أو التزموا بنظامٍ غذائي خاصٍ بهم.

أكياسُ الطعامِ من المطعم، ومنتجات التنحيف التي صارت ملقاةً حولها، وبين كل شيءٍ ملقًى كان أمله. ربما، تلك كانتِ الفرصة الأخيرة، عليَّ أن أترك تلك الأحلامِ جانبًا، لستُ مهتمًا.


عندما قرر قبل ستةِ أشهرٍ أن يخسر وزنه، كان قد عمدَ إلى أصدقائه، ليخبرهم بما يريد، ويطمحُ إليه، ولكنه في تلك الأثناءِ، تذكرَ أن عليه زيارة المستشفى قبل أي بدء، ظن أنه لن يستطيع أن يواصل ما يأملُ إليه وحده، كانت تلك البدايةُ التي ساقتهُ إلى القرار. المعلق الآن.


لقدْ نامت الفكرة طوال العام، حتى إنه لم يصحُ إلَّا عندما انتهت أزمةُ كورونا. ربما كانت حكمةً، حتى لا يدخل دوَّامة التغيير، وما من شكٍ أنه دخل دوّامة أشد، الحيرة. ولكنه رغم ذلك كله، تناولَ الطعام الذي اشتراه.


نهض إلى أصدقائه مجددًا، وقصد عبد الله تحديدًا، كان قد جهز نفسهُ لأحاديثه، ولم يفكر في الانزعاجِ الذي كان ينتابهُ من نصحه المتكرر، لم يكن في ذهنه إلا فكرة واحدة، لابد أن يبدأ. وغدًا.


غدًا سيذهبان إلى المشي، وسيودعُ الجلوسَ هنا، سيضمهُ صديقه لقائمةِ من يقومون بالمشي كلَّ يوم، وستُنهك قدماه من المشي، كما كان يحدثُ له مسبقًا.


سوف يرجعُ للحرمان، سيكون الإفطار بيضة أو اثنتين، وحتى العشاء، فماذا عساه يأكلُ غيرها؟

ضغط على رأسه، وسمع أصواتَ السخرية، وأكياس الطعامِ، وصور الحلوى، والمعجنات، وفطائر اللحم وكل ما تشتهيه نفسه، هل عليه أن يتركَ كل هذا بمحض إرادته؟ سوف يبدأ منذ الآن، من اللحظةِ التي قرر فيها تناولَ الطعام، الآن، سيستخدمُ كل ما يجدهُ بين يديه، وسيبدأ بإخراجِ كل ما تناوله من بطنه.


إنه يعرفُ أن القيءَ هي الطريقةُ الوحيدة، ليأكلَ كلَّ ما يشاء دون أن يستهلك جسدهُ أي سعراتٍ فيه. ومن هنا ستكون البداية. والحل النهائي. كان يكررُ الأمر مرارًا، على أمل لا يزالُ يلاحقه.


شاب في الخامسةِ والعشرين من عمره، يبدأُ نظامًا غذئيًا قاسيًا، للمرةِ السادسة في حياته.


ولكن الأنظمةَ لم تكن سحرًا، وحتى عندما أتم شهرين منذُ أن بدأ بجد، وصل إلى غير ما أراد. لقد استعان بكل شيءٍ، حتى زيارةُ أخصائي التغذية لم تجدِ نفعًا. إنه يدركُ أنه لم يحضر بقيةَ مواعيده، إلَّا أنه يعرفُ كل شيء، ألن يكفيه ما فعل؟


ربما، لم تبدأِ القصةُ بعد، لأنه بلا شك خيِّل إليهِ أنه لم يبدأ بعد. ومرةً أخرى عزم زيارةَ الأخصائي، غدًا.


كانت غرفته مظلمة، موعدُ النوم الآن، ولكنه يجبُ أن يجهز شيئًا ليقوله له، كلُّ ما أعده، وفعله، ليتجنب نظرة الازدراءِ التي سينالها منه. أشعل الإضاءة، ثمَّ تناول المنشوراتِ التوعوية التي حصل عليها من زياراته السابقة، وحفظها عن ظهر قلب.


في صباحِ اليوم التالي ذهب للعيادةِ القريبة من منزله، ثم سرد كلَّ ما في غيبهِ من معلومات، ووصفات صحية، كان قد حفظها أو تعلمها من مواقع التواصل الاجتماعي.


دخل إلى الأخصائي، ودارَ بينهما حوار.


خرجَ مطمئنًا، سيبدأ من اليوم، ودون أوراقٍ يحملها، ولن يتوجب عليه حفظُ شيء. لا ينقصه إلَّا شيءٌ واحد. أنني لستُ في خطر، ولو أنه لم يخبرني بلغةِ الأرقام أن الست كيلوجرامات ستتضاعفُ في جسدي بعد مدة حددها، لم تكن ببعيدة"


أحسَّ بشيءٍ غريب، هل يُعقل أن عليه المشيُ من طريقٍ غير الذي كان يمشي فيه فقط حتى لا يرى المطعم الذي كان يمرُّ عليهِ سابقًا؟ وهل سيكمنُ السرُّ في أن يتأخر ساعةً عن لقاءاتِ الأصدقاء، بعد أن يكونوا أتموا طعامهم؟ ثم يحذف تطبيقات توصيل الطعام هذا الأسبوع، هل البداية سهلة إلى هذه الدرجة!


في الساعةِ التاسعة، يصل إلى أصدقائه.

-أين عبد الله؟


سأل عنهُ ثم خرجَ معه إلى الحديقةِ المجاورة، لإكمال خطواتِ المشي معه. فترةٌ من الصمتِ بينهما، كان يقفُ بجانبه ثم سأله، متى ستبدأُ الخطوةَ التالية؟ رد سريعًا، أنا هنا الآن، تلك خطوةٌ أبعد، ستكبرُ الخطواتُ أكثر مع مرورِ الأيام، لأتمَّ الستةَ الأشهرِ الأولى، ثم أبدأُ الثانية.


سارعا الخطى، ليكملا المسافةَ ركضًا، حتى آخر الممشى، وفي صدرِه كان يقول: كورونا لم يكنِ السبب، اقتص من حياتي العامَ الذي سبق، لكنني الآن أبدأ، وقد ترك لي طريقًا من أمل" يتسعُ لهما الطريق كلما تقدما، مازالا يركضان نحو آخر الممشى.



شيماء محمد


٨ مشاهدات

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

Comments


bottom of page